لماذا تحتفظين بها لنفسك؟
كان هذا عنوان بريد إلكتروني من تويتر ليشجعني لأن أكون نشيطة فيه، وكأن العرف هذه الأيام أصبح مشاركة الآخرين والسلوك الشاذ هو عدم المشاركة. ما الذي يجب مشاركته في مواقع التواصل الاجتماعي وما الذي يجب الامتناع عن مشاركته ونشره؟
لا أعتقد أن هناك إجابة محددة تناسب الجميع، لأنه لا توجد قواعد تحصر المحتوى المنشور في وسائل التواصل الاجتماعي وكل شخص لديه أسباب مختلفة لنشاطه في هذه المنصات، لكن أتيقن بأن مراجعة كل شخص للأسباب التي تدفعه ليكون نشيطا في هذه المواقع يساعد على تجنب السلوكيات الضارة أو التي لا تعود بالفائدة، بالإضافة إلى استخدام أكثر فعالية لهذه المنصات المهمة جدا، لأن تذكر أهدافك التي تدفعك للنشاط في مواقع التواصل سوف يُغربل الأمور التي لا تريدها أو تعدها ثانوية وتركز على الأكثر أهمية. لكن في الوقت نفسه أزعم أن هناك عدة أمور من الجيد معرفتها لمراجعة ما تشاركه في مواقع التواصل الاجتماعي وهي
أنت تشارك أكثر مما تتوقع
من خلال مشاركاتنا في شبكات التواصل الاجتماعية -ولو لم تكن ذات طابع شخصي- فإننا نخبر الآخرين بشكل مباشر أو غير مباشر معلومات عنا، لنقل أنك لا تشارك منشورات أو صور تخص حياتك الشخصية في صفحتك، لكنك في الوقت نفسه تنشر اقتباسات أو أخبار أو مقالات، فإنك بذلك تخبر الآخرين عن اتجاهاتك أو تفضيلاتك الشخصية مثلا
أشارت دراسة قام بها كوسينسكي وآخرون بأن كثيرا من المعلومات الشخصية مثل: السمات الشخصية، الذكاء، الآراء السياسية، الإثنية، الديانة، التوجه الجنسي وغير ذلك يمكن معرفته من خلال تحليل الإعجابات في الفيسبوك. بل برأيي حتى دون معالجة البيانات، يمكن أن يتم ذلك من خلال متابعتك للمنشورات، فلو كان “صديقك” يشارك صورا وفيديوهات عن اللياقة والرياضة وخسارة الوزن، فسوف تتوصل إلى أنه يرغب أو يحاول خسارة وزنه والالتزام بالتمارين الرياضية أو ربما لديه خطب ما مع الأمر
كما أن كثيرون لا ينتبهون لإمكانية ربط أو تجميع وتحليل المعلومات، قد لا تكون لديك مشكلة في أن تخبر الآخرين شيئا ما عنك لكن قد يقوم الآخرون بربط وتحليل مشاركاتك في مواقع التواصل الاجتماعي ثم يكتشفوا معلومة عنك لا ترغب بأن يعرفوها، مثلا: قد لا توجد لديك مشكلة في أن تخبر العالم أجمع بأنك مسافر، لكن بالتأكيد سوف تقلق إن علم الآخرون -أو الذين يعرفون بسفرك تحديدا- بأنك تخفي مبلغا كبيرا في منزلك
ولا ننسى أيضا أن كثيرا من معلوماتنا موجودة في مواقع التواصل الاجتماعي- خاصة لو كان المستخدم يستخدمها منذ سنوات وباستمرار- فإن الآخرين بإمكانهم الرجوع إليها والاطلاع عليها، ربما ربطها وتحليلها ومعرفة أمور خاصة بك. يجدر بنا الإشارة إلى أمر مهم وهو أن رغبتك في إخفاء معلوماتك لا تعني بالضرورة أن لديك أمرا سيئا تخفيه، بل لأنك الوحيد الذي يجب أن يتحكم بالمعلومات المتوفرة عنك أي أنت الذي يتحكم بخصوصيتك
تواصل أفضل- عدم تكرار الحكايا
في جلسة لطيفة مع الصديقات ذكرتُ موقفا حصل معي، فردت إحدى العزيزات: نعم أعرف ذلك لقد قرأت ذلك في صفحتك على الفيسبوك! تفاجأتُ بأنها تعرف الموقف -مع أنها غالبا لا تعلّق ولا تتفاعل في صفحتي- ذلك دفعني للتفكير: هل فعلا أقوم بمشاركة الكثير في مواقع التواصل الاجتماعي؟ هل المشاركة الكثيرة في مواقع التواصل الاجتماعي تحرق كثيرا من الحكايا والمغامرات مما يجعل روايتها وجها لوجه مملة وسخيفة بعض الشيء؟
حسنا لنفكر على مدى أبعد، يا ترى في حال قمنا بمشاركة ونشر كثير من القصص والمغامرات والمواقف جميلة في حياتنا كيف سيؤثر ذلك على أبنائنا وأحفادنا مستقبلا؟ هل سيكون من الممل بالنسبة لهم رواية نفس المواقف والقصص التي قرأوها في صفحاتنا الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعية؟
أعتقد أنه يجب علينا إعادة التفكير في كمية ونوعية المعلومات التي ننشرها في مواقع التواصل الاجتماعي، وألاّ نحرق متعة الأحاديث من الآن بل نحتفظ بها في مذكرتنا الشخصية لنحكيها لأبنائنا وأحفادنا مستقبلا، أعتقد أن سماع القصة لأول مرة وجها لوجه له حلاوة مميزة، ورؤية رد الفعل العفوية وجها لوجها أجمل. وإن كنتم حريصين على عدم حرق الحكايا، فقد يكون من الجيد أيضا التقليل من المشاركات المقروءة، لأن التواصل وجها لوجه غالبا ما يكون مبنيا على النقاش والأحاديث، لا على عرض الصور مثلا، على سبيل المثال: يمكنك نشر صورتك عندما زرت باريس، لكن لا تُشارك ماذا حصل معك هنا
قلة التواصل مع الأحبة
في لوحة من برنامج “ما في متلو” يلتقي صديقان، يسأل الصديق صديقته عن حالها؟ تجيب بخير، ثم يتوقف عن سؤالها والحديث معها لتبدي انزعاجها لأنه لا يهتم بها، فيرد بأنه يعرف أخبارها كلها ويبدأ بسردها لأنها تشارك أدق تفاصيل حياتها في الفيسبوك. ما الحاجة للتواصل إذا كنا نعرف أن أحبتنا بخير من شبكات التواصل الاجتماعية؟
ألم يحدث معك أنك لم ترسل رسالة أو تتصل بقريبك أو صديقك لأن قريبك هذا يشارك أخباره في الانتسجرام أو السناب تشات وأنت تعرفها أولا بأول؟ كثير من الدراسات تعزي قلة التواصل بين الناس إلى كون الاتصال يتم عبر الإنترنت وليس وجها لوجه، لكن أزعم بأن قلة التواصل مع الأحبة ناجم أيضا عن المشاركة الكثيرة في مواقع التواصل الاجتماعي -خصوصا المشاركات الشخصية- فيبقى التواصل بين الأشخاص غير مباشر عبر الإعجابات أو التعليقات، بل حتى الاكتفاء بمعرفة أن الشخص العزيز هذا بخير ويقضي وقتا طيبا من خلال صورته مع أصدقائه في المقهى
لذا أعتقد بأن تقليل المشاركات الشخصية أو ذات الطابع الشخصي قد يدفع المستخدمين إلى التفاعل أكثر من بعضهم بدلا من الاكتفاء بمتابعتهم فقط أو إبداء الإعجابات أو التعليقات! هل تذكرون عندما كنا نتواصل بشكل مباشر مع أحبتنا كي نطمأن عليهم؟ ربما هذا لم يعد مهما اليوم، لأننا بتنا نعرف أخبارهم وأنهم بخير بسبب المشاركات الكثيرة والشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي وبالتالي تقليل التواصل المباشر مع بعضنا
ربما تكون شبكات التواصل الاجتماعية قد قرّبت البعيدين الذين لا يتواجدون في مدينتنا أو بلدنا، لكنها بعّدت القريبين الذين نتواصل معهم دائما وبشكل مباشر. وفي النهاية ليست هناك إجابة تناسب مقاسات الجميع المختلفة، لكن تبادل الأفكار المختلفة يساعد على الوصول إلى الطريقة المثلى والتي نريدها لاستخدامنا لشبكات التواصل الاجتماعية