إذا أردت تعلم اللغة الإنجليزية -ولم يكن لديك الإمكانية للالتحاق بمركز لتعليم الإنجليزية أو الاستعانة بمدرس- فعلى الأرجح ستلجأ إلى أكبر منصة للتعلم الذاتي يوتيوب، وستكتب: “تعلم الإنجليزية”، فتظهر لك مئات القنوات العربية لتعليم الإنجليزية.. يعجبك الأستاذ الفلاني صاحب النطق الأمريكي الممتاز وتتابعه ظنا منك أنك بمتابعته سوف تصبح مثله طليقا بالإنجليزية، لكن بعد فترة.. تشعر بأن مستواك لم يتحسن كثيرا، فتبحث مرة أخرى وتعجبك الأستاذة صاحبة القناة الفلانية وتتابعها، لكنك تشعر بعد مدة أنك أيضا لم تستفد كثيرا، بالتأكيد استفدت منها.. لكن حجم الاستفادة قليل جدا، وأنت تحتاج المزيد والمزيد. هل يعقل أن يكون اليوتيوب غير مفيد في تعلم الإنجليزية؟
قبل قراءة التدوينة: كاتبة هذه السطور ليست متخصصة باللغة الإنجليزية أو باللغويات، هي مجرد شخص يتسائل عن سلبيات محتملة للقنوات العربية-الإنجليزية، والأكثر من هذا أنني ساهمت بانتشار قنوات تعليم الإنجليزي العربية بإنشائي واحدة
التسويق بالمحتوى: قطعة الحلوى المجانية التي تدفعك لشراء العلبة كاملة
ربما يصعب تعداد القنوات العربية لتعليم اللغة الإنجليزية، ولو كنت تسعى لتعلم أو تطوير لغتك الإنجليزية ستلاحظ عددها الهائل، وأزعم أن من أهم أسباب كثرتها هو أهمية “التسويق بالمحتوى”. فما هو التسويق بالمحتوى؟ وما علاقته بالقنوات التعليمية الإنجليزية؟
لنحاول النظر من منظور المدرسين، لنقل أنك أستاذ لغة انجليزية أو تريد دخول مجال تعليم اللغة الإنجليزية، كيف ستجذب الطلبة؟ هل ستوزع ملصقات “أستاذ انجليزي لجميع المراحل” أو ستنشر إعلانات عبر مجموعات الوتساب؟ كلا الأمرين بلا فائدة حقيقية، والأمر المجدي أن تصنع محتوى تعليمي مفيد في منصات التواصل الاجتماعي لتجذب عملائك، فعندما يتابعك الطلبة ويستفيديون من محتواك سينشأ لديهم اعتقاد بأنك خبير في اللغة أو أنك المدرس الأفضل للجوء إليه والالتحاق بدروسه الخصوصية، وهذا ببساطة التسويق بالمحتوى في سياق تعليم اللغة الإنجليزية
نحن في عصر مرغمون فيه على إظهار أنفسنا وخبراتنا طوال الوقت في وسائل التواصل الاجتماعي، ومن لا يرغب في إظهار نفسه وخبراته يحتمل أن يخسر اللعبة؛ ونتيجة لهذا كَثُر أصحاب قنوات تعليم الإنجليزية
عصر عدم كفاية الخبرة أو السيرة الذاتية الجيدة
لكن قد تتساءل: أليست الخبرة أو السيرة الذاتية كفيلة في جذب الطلبة؟ أو في طمأنة الطالب أن الأستاذ ممتاز ويجب الاستعانة به؟ أليست الخبرة وحدها ما يبرهن؟ للأسف السير الذاتية أو الخبرة وحدها غير كافٍ في عصر السوشال ميديا. نحن في عصر مرغمون فيه على إظهار أنفسنا وخبراتنا طوال الوقت في وسائل التواصل الاجتماعي، ومن لا يرغب في إظهار نفسه وخبراته يحتمل أن يخسر اللعبة؛ ونتيجة لهذا كَثُر أصحاب قنوات تعليم الإنجليزية -أو من ينشطون في إظهار مهاراتهم وخبراتهم اللغوية- مما يجعل الجمهور يفضل الشخص صاحب الدروس أو الفيديوهات المنشورة في الإنترنت على أستاذ لغة انجليزية بخبرة 10 سنوات
مشكلة انتشار التسويق بالمحتوى في سياق تعليم الإنجليزية
أزعم أن الزيادة الكبيرة في المحتوى التعليمي الإنجليزي-العربي يترتب عليها بعض الإشكاليات والتي تعود بالضرر على الطلبة
محدودية الفائدة التي يمكن تحصيلها: تصفح أي قناة من قنوات تعليم الإنجليزية بالعربية.. كم عدد الفيديوهات المنشورة في القناة كلها؟ كم عدد الفيديوهات التي تُنشر أسبوعيا؟ 2؟ 3؟ كم مدة كل فيديو؟ 10 دقائق؟ 15؟ 30؟ هل هذا يكفي لتعلم وإتقان الإنجليزية؟ أشك في ذلك.. فالمرء بحاجة إلى أكثر من ذلك لو كان جادا بشأن تعلم الإنجليزية
ومحدودية المحتوى تُعزى لعدة أسباب أعتقد أن أهمها صعوبة إنتاج عدد كبير من الفيديوهات التعليمية، خاصة في ظل قلة الأرباح من منصة اليوتيوب، فغالبا لا يعول صانع المحتوى التعليمي على الربح الناتج من القناة بل يعتمد أكثر على الخدمات التي يقدمها من دروس أو كتب أو دورات خاصة، وبالتالي يصعب على صانع المحتوى تكريس كل جهوده في نشر المحتوى الأكثر إثراءًا للعامة على المنصة ويكتفي بنشر محتوى بسيط ومفيد لكنه محدود وليس مثريا
انظر لمحتوى قناة لتعليم الإنجليزية بالعربية.. كم عدد الفيديوهات المنشورة في القناة كلها؟ كم معدل النشر أسبوعيا؟ مرة؟ مرتين؟ كم مدة كل فيديو؟ 10 دقائق؟ 15؟ هل هذا يكفي لتعلم وإتقان الإنجليزية؟ أشك في ذلك.. فالمرء بحاجة إلى أكثر من ذلك لو كان جادا بشأن تعلم الإنجليزية
التدريس بالعربية: هذه النقطة لا علاقة لها بالتسويق بالمحتوى لكنها برأيي تعد إشكالية جوهرية في القنوات العربية-الإنجليزية؛ حيث يتم تدريس الإنجليزية باللغة العربية- بغض النظر عما إذا كان هذا نزولا عند رغبة المتابعين أو من صاحب القناة- لكني أراه خطاءا كبيرا؛ لأن من يريد إتقان الإنجليزية ينبغي عليه التعلم من المصادر الإنجليزية، لذا نحن أمام إشكال جوهري في القنوات العربية-الإنجليزية
التغطية على المحتوى أو المصادر الأفضل لتعلم الإنجليزية: اللغة الإنجليزية من أكثر اللغات الأجنبية التي يقبل على تعلمها الأفراد في العالم العربي. مما يعني أن هناك طلبا كبيرا على تعلم الإنجليزية وأيضا وجود عدد كبير من مدرسي الإنجليزية المحكومون بالتسويق بالمحتوى، وبالتالي ينتج عدد كبير من القنوات العربية لتعليم الإنجليزية، والتي أرى أنها تعاني من مشكلة تعليم الإنجليزية بغير الإنجليزية
وأضف إلى كل هذا المكانة التي يحظى بها اليوتيوب باعتباره المنصة الأهم للتعلم بشكل عام، والتي يلجأ إليها كل من يرغب في تعلم الإنجليزية، لا جوجل أو المواقع المخصصة لتعليم الإنجليزية
ونتيجة لكل هذا أرى أنه أصبح من الصعب جدا على الطالب أو الشخص الراغب في تعلم وإتقان الإنجليزية رؤية أو الوصول إلى المصادر الأفضل والأكثر فعالية لتعلم الإنجليزية؛ لأن المصادر العربية-الإنجليزية باتت الأمر الوحيد الذي يراه في مد بصره، تماما كما هو موضح في الصورة
أتمنى ألا تُضل كثرة قنوات اليوتيوب العربية-الإنجليزية من يرغب بتعلم الإنجليزية بأنها المصدر والطريقة الوحيدة لتعلم الإنجليزية في الإنترنت، أتمنى ألا تُعمي كثرتها الطالب عن المصادر الحقيقية والأفضل للغة الإنجليزية، فدائما توجد مصادر أفضل لتتعلم منها الإنجليزية. اعتمد على المصدر الأفضل دائما، فالمصدر “الجيد” ليس كافيا
وهنا لا ألقي باللوم على أصحاب القنوات سواءً لإنتاجهم عددا ضخما من القنوات- وأنا منهم- أو لاستخدامهم التسويق بالمحتوى، بالطبع لهم كامل الحق في التسويق بالمحتوى والتكسب من المحتوى التعليمي أو تدريس الإنجليزية، لكنني أحاول فهم ووصف مايحدث
ماذا إذاً؟ على الراغب بالتعلم من القنوات العربية-الإنجليزية الوعي بطبيعتها وطبيعة ما يقوم به صاحب القناة، لكيلا يغرق في وهم تعظيم فائدة متابعة قناة فلان أو فلانة، نعم هي مفيدة لكن لا نبالغ في حجم الفائدة التي يمكن أن يخرج منها الطالب
وأيضا على المدرس أو صاحب القناة التعليمية أن يكون صادقا وواضحا مع متابعيه وجمهوره في حقيقة ما يقدمه لهم، وفي الإشارة إلى المصادر الأكثر فعالية لتعلم الإنجليزية حتى لو كانت لدى غيره من الجهات أو المنافسين
ماذا أفعل لأتعلم الإنجليزية؟ أتوقف عن متابعة القنوات العربية-الإنجليزية؟
ليس تماما.. لكنني أرى أن متعلم اللغة الإنجليزية عليه أن يُميز بين نوعين من الفيديوهات التعليمية أو المحتوى التعليمي
النوع الأول: محتوى أساسي، ثري، مكثف، أي أنك لو اكتفيت بدراسة محتوى هذه القناة -أو البودكاست أو الموقع- فإنك ستلحظ تحسنا كبيرا في مستواك باللغة الإنجليزية
النوع الثاني: محتوى ثانوي مساعد لكنه لا يرقى لأن يكون مصدرا وحيدا لتعتمد عليه في دراسة اللغة الإنجليزية، إنه أشبه بالوجبات الخفيفة التي تسد الجوع لكنها لا تغني عن الوجبة الأساسية المغذية، قد تتعلم من هذا النوع بعض الجمل أو الكلمات أو التعابيرأو تحسن نطق الكلمات، لكن دراسة هذا النوع من المحتوى لن يحقق لك نقلة نوعية في مستواك باللغة الإنجليزية. باختصار.. إنه ليس الطريق الأفضل والأكثر فعالية لتتعلم فعلا
ومن هنا أعتقد أنه على الطالب التمييز بين هذين النوعين، وأن يبدأ بالنوع الأول وأن يُشغل به معظم وقته في التعلم، والنوع الثاني يتسلى به فقط، إنها التسلية أو الإضافة المفيدة التي تنفع لكنها ليست الأساس
في النهاية
أتمنى ألا تُضل كثرة قنوات اليوتيوب العربية-الإنجليزية من يرغب بتعلم الإنجليزية بأنها المصدر والطريقة الوحيدة لتعلم الإنجليزية في الإنترنت، أتمنى ألا تُعمي كثرتها الطالب عن المصادر الحقيقية والأفضل للغة الإنجليزية، فدائما توجد مصادر أفضل لتتعلم منها الإنجليزية. اعتمد على المصدر الأفضل دائما، فالمصدر “الجيد” ليس كافيا